التخطيط المدرسي School Planning
لا تخلو الحياة بشكل عام من عنصر التخطيط فالجميع يخططون إما يوميًا أو أسبوعيًا أو شهريًا أو حتى سنويًا، لأن التخطيط هو استعداد اليوم من أجل الغد، لذلك ما رأيكم أن نلقي نظرة عن كثب في الحقل التربوي؟ هل للتخطيط أهمية عظيمة ضمن هذا المجال؟ هل يتطلب التعليم التخطيط من قبل جميع العاملين في المدارس؟
في الحقيقة أن جميع العاملين في المدرسة مسؤولين عن التخطيط لعملهم بطرق مختلفة ومتنوعة وجميع خططهم تصب في مصلحة تحقيق رؤية المدرسة ورسالتها، لذا يضطلع مدراء المدارس بالدور الرئيس في إنجاح عملية التخطيط التربوي منذ البداية، فالمدراء الناجحون هم من يجعلون من المقولة الآتية شعار يرفعونه في المجتمع المدرسي “جميعنا أذكى من كل واحد منا” فعملية التخطيط المدرسي عملية تفاعلية تشاركية تحتاج إلى تكاتف الجهود وتظافرها بين أفراد المجتمع المدرسي، ومقالنا اليوم سيتناول دور الإداريين في التخطيط المدرسي، ويكون هذا المقال دليل التخطيط المدرسي لمدراء المدارس.
التخطيط العكسي (Backward Design)
قد تناولنا التخطيط العكسي في مقال دليلكم للتخطيط وكيفية تطبيقه من قبل المعلمين لإعداد خطط شاملة وواضحة، وفي هذا المقال سيتم تناول التخطيط العكسي لغايات التخطيط الإداري حيث سيتم ربط التخطيط برسالة ورؤية المدرسة للوصول إلى التخطيط المدرسي متعدد المجالات وبشكل سليم.
مفهوم التخطيط العكسي (Backward Design)؟
تخطيط ينطلق من الصورة النهائية المنشودة، فهو يقوم على البدء بتحديد النتائج النهائية المرغوبة التي ينبغي أن تكون مرتبطة برسالة المدرسة ورؤيتها والغاية الأساسية لوجود المدرسة المتمثِّلة في تحسين تعلم الطلبة، ثم تحديد الأدلة التي تُشير إلى تحقيق الأهداف وتساعد على توجيه جهود جميع العاملين في المدرسة لتحقيق الأهداف ثم قياس مدى التقدم في تحقيق هذه الأهداف وإجراء التعديلات الضرورية على التخطيط المدرسي عند الحاجة.
من الأمور المهمة في التخطيط العكسي أن تعنى إدارة التخطيط المدرسي بتحديد وتوجيه فريق التخطيط المدرسي من إداريين ومعلمين باستمرار لتقييم الإجراءات والخطط في ضوء النتائج المرغوبة التي يتم تحديدها في بداية العام الدراسي ووضع خطة للتغذية الراجعة المستمرة التي تُساعد الإداريين والمعلمين على الحكم على مدى تحقق الأهداف وهذا يُساعد على تجنب الفشل في تحقيق رسالة المدرسة ورؤيتها.
مراحل التخطيط العكسي
- المرحلة الأولى: تحديد النتائج المرغوبة
- المرحلة الثانية: تحديد الدلائل المقبولة
- المرحلة الثالثة: التخطيط للإجراءات
المرحلة الأولى: تحديد النتائج المرغوبة
يعمل مدراء المدارس في هذه المرحلة على تحديد النتائج المرغوبة من خلال تحديد أهداف المدرسة بشكل واضح لتحقيق رسالة المدرسة ورؤيتها، ولتحديد هذه الأهداف ينبغي العمل على تحليل عملية التخطيط من خلال الإجابة عن 3 أسئلة أساسية:
- ما هي رسالة المدرسة؟
- ما هي الأهداف متوسطة المدى ومعايير الأداء المقبولة؟
- ما هي الاحتياجات والعقبات والفرص المرتبطة برسالة المدرسة؟
وفي عملية التخطيط المدرسي نادرًا ما يتم إنفاق الجهد والوقت في توضيح ودراسة هذه الأسئلة الثلاثة الأساسية فعلى سبيل المثال: لا تُعطي المدارس أهمية لقراءة معايير الأداء المقبولة للطلبة أو تعليمات استخدام دليل المعلم أو الانتباه إلى الطرق المستخدمة في تقديم الحصة الصفية في دليل المعلم.
وتأتي المرحلة الثانية في تحديد النتائج المرغوبة بعد تحليل رسالة المدرسة في ضوء الأسئلة الثلاثة السابقة وذلك بالعمل على صياغة أهداف المدرسة، وتُساعد الأسئلة الآتية على صياغة أهداف المدرسة:
- ما مجالات العمل في المدرسة التي يمكن من خلالها تحسين أداء الطلبة؟
- ما الفجوة بين الوضع الحالي والرؤية؟
- ما مجالات الضعف في أداء الطلبة التي يوجد عليها أدلة ملموسة؟
- ما البيانات والمعلومات الموثوقة التي توجد عن ضعف أداء الهيئة التدريسية والإدارية؟
تمكن أطر التخطيط العكسي من تحديد النتائج المرغوبة وأهداف المدرسة هو الوصول إلى فهم مشترك بأن الفجوة بين الواقع والمأمول لا يُمكن إغفالها وتُشكِّل أولوية في عملية التخطيط المدرسي، لهذا فإن الخطوة الأولى لتحديد أهداف المدرسة هي أن يكون لدى مدراء المدارس وفريق العمل المدرسي القدرة على الإجابة عن الأسئلة السابقة.
ويقوم مدراء المدارس بعد تحديد أهداف المدرسة بالتأكد من وجود فهم عميق لدى جميع الإداريين والمعلمين والأهالي والمجتمع المحلي لرؤية ورسالة المدرسة والنتائج المرغوبة من عملية التخطيط والتطوير في المدرسة على صعيد العملية التعليمية التعلمية، وبالإضافة إلى ذلك يقوم مدراء المدارس بالعمل على التنبؤ بأخطاء الفهم التي يُمكن أن تتولد لدى المعلمين والطلبة وأولياء الأمور وتجاوزها من خلال طرح الأسئلة الأساسية حول مجالات العمل في المدرسة والحصول على إجابات كاملة وواضحة عليها من قبل الإداريين والمعلمين والطلبة وأولياء الأمور، ومن ثم يقوم مدراء المدارس بتحديد المعارف والمهارات التي ينبغي أن يمتلكها فريق العمل المدرسي ليكونوا قادرين على القيام بمتطلبات التخطيط وهذه صورة مهمة توضح جهود المدراء لإدارة التخطيط المدرسي بشكل منظم.
المرحلة الثانية: تحديد الدلائل المقبولة
يُفكر مدراء المدارس خلال هذه المرحلة كمقيمين قبل البدء بوضع خطة عمل إجرائية، إذ ينبغي في هذه المرحلة التفكير بالأدلة والمؤشرات التي تُظهر تحقق النتائج المرغوبة بالإضافة إلى تصميم خطة للتغذية الراجعة المستمرة تُوضح مدى التقدم في تحقيق الأهداف من أجل إجراء التعديلات اللازمة على برنامج التخطيط في ضوء ذلك.
ويقوم مدراء المدارس في هذه المرحلة بالإجابة عن الأسئلة الأساسية الآتية:
- كيف سيتم التأكد من تحقيق الأهداف المرغوبة؟
- ما النتائج المُتوقعة من تحقق الأهداف؟
- ما الدليل على امتلاك الفريق المدرسي للمعارف والمهارات المطلوبة؟
- ما البيانات الأساسية المطلوبة منذ البداية لقياس الفجوة بين الرؤية والواقع؟
- كيف سيتم متابعة التقدم في تحقيق الأهداف؟
آلية تحديد الدلائل المقبولة
يتم تحديد الدلائل المقبولة من خلال أخذ الأمور الآتية بعين الاعتبار:
- من لقطة إلى ألبوم صور
- مصادر متنوّعة للبيانات
أولًا: من لقطة إلى ألبوم صور
والمقصود بها جمع مجموعة من الأدلة التي تُظهر مدى نجاح تحقيق الأهداف لأن التقييم الفعال يتطلب الحصول على معلومات متنوعة من مصادر متعددة بمعنى آخر التقاط ألبوم من الصور وليس لقطة واحدة لموقف واحد، وذلك لأن عملية التقييم تتضمن أخطاء قياس يُمكن تلافيها من خلال وجود مصادر متنوِّعة للحصول على البيانات والمعلومات على مدار فترة زمنية مستمرة.
ينبغي التركيز على أن يُعبِّر التقييم الفعال عن الأهداف من أجل الوصول إلى نتائج واضحة وصحيحة فعلى سبيل المثال، إذا كان الهدف التعرف على حقائق حول موضوع معين فإن استخدام الامتحانات سيكون أداة قياس جيدة للحكم على مدى تحقق الأهداف، أما إذا كان الهدف تطبيق المعلومات في سياق واقعي فإن الاختبارات الموضوعية ستكون أداة قياس غير جيدة للتأكد من تحقّق الأهداف.
ثانيًا: مصادر متنوعة للبيانات
ينبغي تطوير نظام مستمر للتغذية الراجعة من قبل فريق العمل المدرسي والمشرفين من خارج المدرسة للحصول على بيانات مستمرة حول المنهاج، والتنمية المهنية، والطلبة، الأمر الذي يُساعد على الحصول على معلومات شاملة ويقيس تحقق الأهداف المرغوبة. وينبغي أن يتم جمع معلومات كمية أو نوعية من مصادر متنوعة وشاملة سواء كانت مصادر خارجية أو داخلية.
أنواع الأدلة المقبولة في التخطيط العكسي
- الأدلة المباشرة: دلائل تحقق أهداف التعلم طويلة المدى وتحصيل الطلبة الذي يُعتبر الهدف النهائي لتطوير أداء المدرسة على سبيل المثال: طالب يتحمل مسؤولية تعلمه.
- الأدلة غير المباشرة: دلائل الأهداف ذات العلاقة بتحسين أداء الطلبة على سبيل المثال: التغيير في ممارسات المعلمين داخل الغرف الصفية.
المرحلة الثالثة: التخطيط للإجراءات
يتم في هذه المرحلة العمل على تحديد الخطوات الإجرائية وخطة العمل لتحقيق الأهداف ويقوم مدراء المدارس في هذه المرحلة بالإجابة عن الأسئلة الأساسية الآتية:
- ما نشاطات التطوير المهني التي سيتم تطبيقها للتأكد من امتلاك فريق العمل المدرسي للمعارف والمهارات المطلوبة لتطبيق الإجراءات التي تم التخطيط لها في المدرسة؟
- مَنْ المسؤول عن هذه النشاطات؟
- ما الإطار الزمني الذي سيتم تحديده؟
- ما المصادر المطلوبة لتحقيق الأهداف؟
- هل جميع أجزاء الخطة متسقة مع بعضها البعض؟
أمور هامة ينبغي الانتباه إليها في عملية التخطيط
- شخّصوا المشكلة ولا تصفوها: إن اتخاذ أية إجراءات مقترحة (سياسات جديدة أو تنظيم أو برنامج جديد) ينبغي أن يكون استجابة مناسبة للوضع الحالي والأهداف طويلة المدى، إذ ينبغي على مدراء المدارس إدارة التخطيط المدرسي بتحديد جيمع اطر المشكلة بفهمها وتحليلها من قبل جميع المؤثرين والمتأثرين في عملية التخطيط في المدرسة قبل الإسراع في تحديد الحلول للمشاكل.
- ادعموا القدرة والدافعية لتنفيذ الخطة المدرسية: لن يكون جميع أعضاء الفريق المدرسي على قدر واحد من الاستعداد والدافعية والقدرة على تطبيق خطة المدرسة في تطوير أي من مجالات العمل في المدرسة، فقد يكون بعض العاملين متحمسين والبعض الآخر مترددين ولهذا تساعد أطر التخطيط التربوي من تحديد كيفية اهتمام مدراء المدارس بالأفراد الذين يمتلكون القدرة والدافعية لتنفيذ إجراءات خطة التطوير.
- خططوا بحذر لجميع العقبات التي قد تواجهكم: يساعد التخطيط المدرسي بتحديد احتياجات الإدارة بشكل واضح وجلي مما يساعد مدراء المدارس على اكتشاف التحديات وتحديد العقبات المتوقعة بسبب عدم فهم خطة المدرسة أو مقاومة عملية التطوير المرغوبة في أحد مجالات عمل المدرسة، حيث أن الكثير من الخطط ومبادرات التطوير والتحسين تفشل بسبب عدم قدرة مدراء المدارس على توقع المخاوف، لهذا ينبغي على مدراء المدارس توقع بعض الأسئلة والمخاوف التي يمكن أن تواجههم أثناء تنفيذ خطة المدرسة.
- ضعوا الحوافز المناسبة: إن عملية تطوير المدرسة أصعب من الحفاظ على الوضع الحالي لهذا ينبغي أن يُصاحب عملية التطوير مكافآت وحوافز داخلية وخارجية، حيث أن التخطيط المدرسي يساعد في تطوير ومشاركة أعضاء الفريق المدرسي بفاعلية في عملية التخطيط المدرسي فهذا بمثابة حافز داخلي لهم للعمل وإحساسهم بأنهم جزء من فريق إبداعي تتوفر لديه المصادر اللازمة لإنجاح عملية التطوير في المدرسة، أما الحوافز الخارجية فتأتي من امتيازات أخرى مثل حضور المؤتمرات أو تقديم الحوافز المادية وبغض النظر عن طبيعة الحوافز ينبغي أن يتم التركيز باستمرار على النتائج المرغوبة من عملية التخطيط.
- كونوا نماذج قوية لممارسة السلوكات الجديدة: ينبغي على مدراء المدارس أن يكونوا نموذجًا في تطبيق التغييرات المطلوبة.
في نهاية المقال، قد يتسأل البعض لماذا تفشل جهود التخطيط؟ لماذا لم تستطع المدرسة تحقيق الرؤية الخاصة بها بالرغم أن عملية التخطيط قد سارت بدقة إلا أنه للأسف لم تتوصل المدرسة إلى تحقيق النتائج المرغوبة؟
هذه التساؤلات وغيرها هي دليل على أن هنالك أخطاء شائعة يقع فيها الكثير من مدراء المدارس عند التخطيط لأن جل التركيز ينصب فقط على تحديد مجالات التحسين والتطوير وتحديد الأنشطة التي سيقومون بها وإغفال جانب تحديد النتائج المرجوة من عملية التخطيط، فاسعوا دائمًا أن تكون عملية التخطيط واضحة مرتبطة بالرؤية والرسالة.